Affichage des articles dont le libellé est جوناثان پـولّاك. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est جوناثان پـولّاك. Afficher tous les articles

04/11/2025

اعتداءات وحرائق ومجازر جماعية كأنها قطعان تساق إلى الموت : الضفة الغربية تواجه عنفًا إسرائيليًا غير مسبوق

جوناثان پـولّاك، هآرتس، 25 أكتوبر 2025

ترجمها   تلاكسكالا

جوناثان پـولّاك (تل أبيب، 1982) مصمّم غرافيك إسرائيلي وكاتب في صحيفة هآرتس. شارك سنة 2003 في تأسيس مجموعة العمل المباشر الأناركيون ضد الجدار. وقد اعتُقل مرات عديدةمنها في السادس من كانون الثاني / يناير 2020.



ميليشيات من المستوطنين الإسرائيليين، مدعومة بقوات الجيش، تشنّ هجمات على القرى الفلسطينية وتعمل على تدميرها منهجيًا: اعتداءات على السكان، حرق للمحاصيل، تخريب للمركبات، وذبح للحيوانات.

الكاتب الإسرائيلي جوناثان بولّاك يروي مشاهداته خلال مرافقته لمزارعين فلسطينيين في موسم جني الزيتون، وكيف كاد يفقد حياته لمجرد تضامنه معهم.

في الجنوبِ... تُثمرُ الأشجارُ ثمرًا غريبًا،

دماء تلطخ الأوراق و الجذور،

وأجسادٌ سوداءُ تحركها نسمات ثقلى،

ثمرٌ غريبٌ يتدلّى من الحورِ الحزين.

مشهدٌ رعويٌّ من الجنوبِ الجريء،

عيونٌ جاحظةٌ، وأفواهٌ ملتوية،

عبيرُ الماغنوليا... عذبٌ، نديّ،

ثمّ فجأةً... تفوحُ رائحةُ لحمٍ بشريٍّ محترق.

ثمارٌ للغربان،

وللمطر، والريح، والشمس،

حتى تملّ الأشجارُ حملها،

وتهوي بها إلى التراب.

يا له من حصاد غريب... و مرْ.

«ثمار غريبة»، لأبِل ميروبول

 عنف المطلق

شهد العامان الأخيران موجةً من العنف الإسرائيلي الجامح. في قطاع غزة بلغ العنف ذروته إلى حدِّ الوحشية، لكن الضفة الغربية كانت مسرحًا لقدرٍ مماثل من الألم.
العنف هنا منظَّم منسّق،  بمشاركة مختلف الأجهزة الإسرائيلية : الجيش، الشرطة، حرس الحدود، جهاز الشاباك، مصلحة السجون، منسّقو أمن المستوطنات، إضافةً إلى المدنيين المسلّحين.


مدنيون يحملون العصيّ والأنابيب المعدنية والحجارة، وبعضهم البنادق — ميليشياتٌ تعمل خارج القانون وتحت مظلّته في آنٍ معًا.
أحيانًا يبدأ المدنيون الهجوم والجيش يتبعهم، وأحيانًا العكس؛ لكن النتيجة واحدة: ترويعٌ وتدميرٌ ممنهج.

منذ مطلع موسم جني الزيتون، تصاعد العنف الإسرائيلي في الضفة الغربية — عنف مدروس ومنسَّق — إلى مستويات غير مسبوقة.

فقد اجتاح العنف قرى دوما وسلواد ونور شمس والمعرجات وكفر مالك والمغيّر الدير، قبل أن تلامس الأيدي أغصان الزيتون.

هو قدر القرى الفلسطينية المنسية، تواجه وحدها قسوة الحدود حيث تمتدّ المستوطنات الإسرائيلية كقلاعٍ من الحديد والحصار.

 مقتل محمد الشلبي وسيف المصالحة

ركض محمد الشلبي لينجو بحياته — دون أن يدرك أنه يركض نحو موته. شاحنة رمادية تقلّ مستوطنين إسرائيليين مسلّحين طاردته هو وعشرة آخرين.

بعد ساعات، عُثر على جثّته: رُمي بالرصاص من الخلف، وعليها آثار عنفٍ وحشيّ لا يوصف. المصير نفسه لاقاه سيف الدين مصاليت، الذي تعرّض لهجومٍ وتمكّن من الفرار لبرهة، قبل أن يسقط مغشيًّا عليه.

ظلّ ممدّدًا على الأرض، بين الحياة والموت، لساعاتٍ طويلة، فيما كان الجنود والمستوطنون يجوبون التلال بحثًا عن فريسةٍ جديدة.

كان ذلك يوم 11 يوليو 2025، أثناء مذبحة جبل الباطن، شرق رام الله.

لم أكن أعلم بعدُ أنهم ماتوا، لكنني كنت أعرف خوف الموت.

قبل بضع ساعات، كانت جموع من الإسرائيليين قد اجتاحت بلدة البطن؛ فحاولت مجموعة من الشبان الفلسطينيين من القريتين المجاورتين سنجل والمزرعة الشرقية صدّهم.

في البداية كانت الكفّة تميل لصالحهم، ثم وصلت شاحنة رمادية تقلّ رجالًا مسلّحين.

اندفعت الشاحنة نحو الفلسطينيين ودهست أحدهم. وبينما كنت أساعد في إجلاء الجريح، اضطررنا إلى الفرار — فقد أظهرت الأيام السابقة ما الذي يحدث لمن يتخلّف عن الهرب.

لم ننجح في الفرار. فقد لحق بنا مجموعة من الإسرائيليين المقنّعين، مسلّحين بهراوات الشرطة. انهالت الضربات على الوجوه، على الأضلاع، على الظهر — قبضات، أقدام، غبار، وعنف جامح لا نهاية له. وبينما كانت وجوهنا متورّمة وأجسادنا مثخنة بالكدمات، كنّا — وكما هو متوقّع — الوحيدين الذين جرى اعتقالهم عندما وصل الجنود.

وبينما كنّا ننتظر أن يُقتادونا، عادت الشاحنة متجهة نحو سنجِل، حيث كانت هناك سيارة إسعاف وأخرى مدنية. هناك بدأ الاعتداء الوحشي بكل مكونات العنف الإسرائيلي: قوّات رسمية وميليشيات خاصة، لكلٍّ دوره في المشهد، ولكلٍّ نصيبه من الجريمة.



 موسم الزيتون يتحوّل إلى ساحة حرب

لطالما كان موسم الزيتون مناسبةً فلسطينيةً عائليةً وثقافية، لا مجرد نشاط اقتصادي. كانت العائلات تجتمع تحت الأشجار، تغنّي الأهازيج الشعبية، وتطهو «قلاية البندورة» ( طماطم، بصل و فلفل) على النار في الهواء الطلق.
تحويل هذا المحفل الجماعي إلى كابوسٍ من المراقبة والخطر ليس مجرد استيلاءٍ على الأرض، بل هو اعتداءٌ على الذاكرة والانتماء، محاولةٌ لاقتلاع الهوية ذاتها. إنه كما يصفه القانون الدولي شكلٌ من أشكال تدمير شعب كامل
.

الهجوم الذي أودى بحياة محمد وسيف كان مجرد حلقة إضافية في سلسلة من المجازر. لقد توقفت عن عدّ الجنائز التي شاركتُ فيها خلال الأشهر الماضية.

إلى جانب العنف، يعاني المزارعون من آثار التغيّر المناخي.
فالزيتون يُثمر عامًا ويضعف في العام التالي، وهذه السنة كان المحصول ضعيف: شتاءٌ قليل المطر وحرٌّ شديد في الربيع جفّف الأشجار وأسقط ثمارها.
الكثير من الحقول خالية من الزيتون، قبل أن نحتسب حتى آلاف الأشجار التي اقتُلعت. ومع تقلّص العائد الاقتصادي وازدياد المخاطر، باتت عملية القطف مغامرةً قد تُكلّف الحياة.



حملة «زيتون 2025»

رغم التهديد والاعتقال، انطلقت حملة «زيتون 2025»، وهي تحالفٌ واسع يجمع اليسار الفلسطيني وفصائل من حركة فتح، بهدف تنظيم موسم القطف ودعم المزارعين.
قام النشطاء بتحديد مناطق الخطر واحتياجات القرى، لكن في الليلة الأولى من الموسم داهمت قوات الاحتلال منزل الناشط رَبيع أبو نعيم، أحد منسّقي الحملة، واعتقلته إداريًا — أي من دون توجيه تهمةٍ أو محاكمة.
رَبيع من قرية المغيّر شرق رام الله، وهي من أكثر المناطق تضررًا: اقتلع الجيش فيها 8500 شجرة زيتون، وأتلف المستوطنون المئات ليلاً.

بعضهم لا يزال يُدّعي أن هناك عنفاً "من الطرفين"، وأن الشرطة تحقق، وأن احتجاز ربيعة مبرر. فليصدقوا إذا هذه الخرافات.

 مواسم المجازر

في اليوم الأول من موسم جني الزيتون، قبل أسبوعين، انهمرت موجات العنف كالمطر الغزير.

في جوريش، اعتدى مستوطنون إسرائيليون على العمّال بالعصيّ.

وفي دوما — حيث أُحرِقت عائلة دوابشة حية عام 2015 — منع الجنودُ الفلسطينيين من دخول أراضيهم بحجة “التنسيق الأمني”.

في كفر ثلث، أقدم المستوطنون على ذبح قطيع من الماعز، وفي فرعتا أطلقوا الرصاص الحيّ على المزارعين، بينما كان الجنود يقفون إلى جانبهم دون أن يحرّكوا ساكنًا.

أما في كوبر، قرية مروان البرغوثي، فقد تم اعتقال المزارعين لأنهم عملوا في أراضيهم الخاصة

لكن الذروة كانت في بيتا، قرب نابلس. في العاشر من أكتوبر، توجّه نحو مئة وخمسين عاملاً إلى حقول الزيتون القريبة من بؤرة استيطانية جديدة. فتعرضوا لهجوم واسع من قبل جنود ومستوطنين معًا: ضرب، إطلاق نار، وإحراق متعمّد.

الحصيلة: عشرون جريحًا، أحدهم بالرصاص الحيّ، وإحراق عدد من السيارات وسيارة إسعاف. كما تمّ الاعتداء على ثلاثة صحفيين:

جعفر اشتية، الذي أُحرِقت سيارته، ووهّاج بني مفلح الذي كُسرت ساقه، وسَجى العالمي.



الجيش والمستوطنون: شراكةٌ في القمع

واصلت الاعتداءات انتشارها في الأيام التالية في برقة والمغيّر ولوبان الشرقية وترمسعيا وسلواد.
شارك الجيش الإسرائيلي بطرقٍ شتى: أحيانًا يرافق المهاجمين، وأحيانًا يغضّ الطرف، وأحيانًا يهاجم بنفسه.
في بورين أعلن المنطقة «عسكرية مغلقة»، واعتقل 32 متضامنًا فلسطينيًا وأجنبيًا لشرب الشاي في منازل الأهالي .

في 17 أكتوبر، شهدت بلدة سلواد ساعاتٍ طويلة من الهجمات المتواصلة: سيارات إسعاف مُخرَّبة، وعربات سرقت، وأشجارٌ مقتلعة.

وصلت شاحنة رمادية — هي ذاتها التي شوهدت في اعتداءات سابقة — مكتظّة بشبّانٍ مسلّحين، يتظاهرون بأنهم جنود. وبعدها وصل الجنود الحقيقيون، لكنهم طردوا المزارعين… لا المعتدين.

كنتُ هناك. وعند مغادرتنا، لاحقتنا سيارة إسرائيلية على طريق جبليّ ضيّق يطلّ على منحدر. كانت صور مذبحة جبل الباطن تعود إلى ذهني. نجونا من الموت بأعجوبة.



استمرار العنف وصمود الأرض

مئات الحوادث، صغيرة وكبيرة، تتوالى.

في تورموس عيّا، اعتدى رجالٌ ملثمون على امرأة مسنّة بضربة على رأسها، فأُصيبت بنزيف دماغي. اثنان من النشطاء جُرحا، وخمسُ سيارات أُحرِقت.

وما زالت موسم الجَني لم يكتمل، بل لم يبدأ إلا بالكاد.

لكن هذه الحكاية ليست فقط حكاية عنفٍ وسلبٍ وخراب، بل هي أيضًا حكاية المقاومة الفلسطينية، والتشبّث بالأرض، والإصرار على عدم الانكسار. قالت رَبيعة، قبل أن تُعتقل، من داخل زنزانته:

 إذا اقتُلعتْ أشجار الزيتون من قريتنا، فسنحصدُ السنديان.

وإن لم يبقَ للسنديان جَوزٌ، فسنحصدُ الأوراق