Affichage des articles dont le libellé est عربية. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est عربية. Afficher tous les articles

19/11/2025

دعونا نحلم- فاطمة كارامازوف رئيسة وزراء لبلد جديد: جمهورية كنعان

فاوستو جوديشي، 2003/9/28

                                                                             تلاكسكالا ترجمها 

English Français Español Italiano

لأولئك الذين كانوا يجيبونه: «أنت تحلم !»، كان سامي الديب، «الفلسطيني الكوني» الذي أسّس «الجمعية من أجل دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين/إسرائيل» (ASEDPI)، اعتاد هذا الأخير أن يجيب: « أتفضّلون الكابوس الحاليّ؟»

  يجب أن نحلم. ولذلك، ومن أجل تشجيعكم على الحلم، أقترح عليكم قصّة خيالية كُتبت عشية الذكرى الثالثة لانتفاضة الأقصى، لكنها ما تزال صالحة لوقتنا هذا. وعلى كلٍّ منكنّ ومنكم أن يستعمل مخيّلته ليطوّرها، لعلّها تصبح رواية واقعية بكل معنى الكلمة. 

  القدس/أورشليم، 30 كانون الثاني/يناير 2030 – للمرة الأولى في هذا القرن، للمرة الثانية في تاريخها، تتولى امرأة  منصب رئيسة وزراء إسرائيل. لكن ما هو أهمّ من جنسها هو هوية هذه المرأة الشابّة – فهي لا تتجاوز الأربعين – التي فاز ائتلافها للتوّ في انتخابات الكنيست. ففاطمة كارامازوف هي ابنة لأبٍ روسيّ غير يهودي – كان موظفاً في الحزب الشيوعي السوفييتي وملحداً – وأمٍّ فلسطينية مسلمة. وُلدت سنة 1990 في موسكو، ثم وصلت في سن الثالثة إلى أمّ الفحم، مسقط رأس والدتها.

وقد تعرّف والدها على والدتها في لينينغراد سنة 1987 حيث كانت الأم تدرس الطب.

فاطمة كارامازوف، زعيمة "الاتحاد السلافي"، وهو اليوم الحزب الأكثر شعبية في إسرائيل، قادت ائتلافاً يحمل اسم "التحالف الجديد"، يضمّ 127 مجموعة وحركة يهودية وغير يهودية، بينها 42 فلسطينية و50 مختلطة. وقد استمال برنامجها الانتخابي، الذي تميّز ببساطة ثورية، 32% من الناخبين، واضعاً التحالف الجديد في صدارة المشهد السياسي بعيداً عن الأحزاب الصهيونية التقليدية التي تراوحت نتائجها بين 2 و15%. ومع عجز هذه الأحزاب المتشظية عن التوصل إلى حدٍّ أدنى من الاتفاق، مُنح التحالف الجديد تكليف تشكيل الحكومة المقبلة. لكن الطريق أمامه لن يكون سهلاً.

وفي تعليقها على نتائج الانتخابات، خرجت صحيفة  جيروزالِم بوست على غلافٍ بدا كأنه إعلان وفاة، كاتبةً بخط أسود عريض: «موت الصهيونية». أما هآرتس فاختارت غلافاً ملوّناً يدمج العلمين الإسرائيلي والفلسطيني وقد كتبت بثلاث لغات: العبرية والعربية والإنجليزية: «مرحباً بكم في جمهورية كنعان!».

ومن بين أكثر النقاط إثارة للجدل في برنامج التحالف الجديد: هدْم الجدار البالغ طوله 800 كيلومتر والذي قسم البلاد منذ 25 عاماً، واعتماد اسم جديد للدولة، وإعلان دستور يُعرَض على استفتاء، ومنح كامل الحقوق المدنية لسكان «المنطقة ب»، أي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، التي ضُمّت بين 2008 و2010 من دون أن تُمنح لسكانها حقوق المواطنة الإسرائيلية الكاملة. ويُذكر أن هذا الضم كان سبب «حرب الأشهر الستة» عام 2011 ضد سوريا وجمهورية العراق الإسلامية، والتي خلّفت 50 ألف قتيل إسرائيلي و600 ألف قتيل سوري وعراقي. ولم يخرج أحد منتصراً من تلك الحرب التي دشّنت بداية الانحدار الإسرائيلي.

وتتعهّد الحكومة الجديدة بخفض ميزانية الجيش بنسبة 25%، وتقليص الخدمة العسكرية من 3 سنوات إلى سنة ونصف، واعتماد خدمة مدنية بديلة، ودمج الفلسطينيين في الجيش والشرطة. كما وعد التحالف الجديد بالسماح للعمال المهاجرين المقيمين منذ 5 سنوات بالحصول على الجنسية أو بطاقة إقامة لمدة 10 سنوات. غير أن أكثر ما أثار النقاش في الحملة الانتخابية كان الحديث عن نيّة السيدة كارامازوف تغيير اسم البلاد وتضمين هذا التغيير في مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء. والاسم الجديد المقترح للدولة الإسرائيلية–الفلسطينية هو: جمهورية كنعان.

 وستصبح العربية لغةً رسمية إلى جانب العبرية، فيما تحصل الروسية والإنجليزية والفرنسية على وضع «اللغات الوطنية». وفاز التحالف الجديد لأنه نجح في بناء تحالف حقيقي بين المكوّنات الثلاث الكبرى للناخبين: المهاجرون السلاف وأبناؤهم، واليهود القادمون من البلدان العربية والأفريقية، و«العرب الإسرائيليون».

  وكان محرّك الحملة الشباب المولودين في «القرى المختلطة» التي أسسها أهلهم في إسرائيل والضفة الغربية منذ 2005، وضمت إسرائيليين أصليين وسلافاً مهاجرين وفلسطينيين. وقد جاءت هذه المبادرة من قادة «الاتحاد السلافي» الذي تأسس عام 2002 على يد مهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق. ويبلغ عدد سكان هذه القرى المختلطة اليوم نحو 120 ألفاً.

هذه «الأغلبية الجديدة» النسبية هي أول ترجمة انتخابية لحقيقة ديمغرافية. وستتحول إلى أغلبية مطلقة عندما يبلغ الخمس ملايين من سكان «المنطقة ب»السن القانونية للاقتراع و يصبحوا ناخبين فعليين.

و لإفساح المجال أمام الممثلين الجدد، يعتزم التحالف الجديد رفع عدد مقاعد الكنيست (المجلس) من 120 إلى 200.

أما «جبهة الرفض الصهيوني»، التي تضم 17 مجموعة متشددة، فقد حذّرت من أنّ فوز كارامازوف سيجعلها «تشعل البلاد ناراً ودمّاً قبل أن تسلّمها مربوطة للمسلمين والمسيحيين». وكانت كارامازوف قد أمّنت نفسها خلال الحملة بمئة حارس متطوع، نصفهم روس ونصفهم فلسطينيون. وقد تعهّدت بمنح عفو عام عن جميع المعتقلين السياسيين والعسكريين، فلسطينيين كانوا أم يهوداً معارضين.

وإذا كان الصهيونية قد ماتت فعلاً في 30 كانون الثاني/يناير 2030، فإن كل شيء لا يزال أمام هذا البلد الجديد كي يصبح واقعاً مستقراً وملموساً. وفي الأثناء، يفترض أن تعكس الحكومة الجديدة التركيبة الديمغرافية للبلاد، بحيث يكون عدد الوزراء اليهود وغير اليهود متقارباً. ويرجَّح اختيار مسيحي فلسطيني وزيراً للعدل، وسيدة من أصول إثيوبية وزيرة للرياضة. أما وزارتا الداخلية والدفاع فستسندان ليهود من أصول مغربية وعراقية. وسيكون وزير الخارجية هو الرجل الثاني في الاتحاد السلافي، كونستانتين فيدوروف، المولود عام 1990 لأبوين مهاجرين من الاتحاد السوفييتي، والمنفصل جذرياً عن الهوية اليهودية منذ ثلاثة أجيال. وقد رفض طوال الحملة الإجابة عن سؤال: «هل أنت يهودي؟»، مكتفياً بالقول: «هذه مسألة خاصة وليست شأناً عاماً. عندما يفهم الإسرائيليون ذلك، سيتمكنون أخيراً من بناء مجتمع إنساني عادي وبسيط.»

القدس – أورشليم، عاصمة جمهورية عالمية جديدة؟ مع انتخاب كارامازوف، أصبح هذا الحلم واقعاً ممكناً. وتملك رئيسة الوزراء الجديدة حليفة من الطراز الرفيع: الرئيسة الأميركية مارتا إميليا هيرنانديز، زعيمة «تحالف قوس القزح»، التي تمضي حالياً في منتصف ولايتها الثانية (فقد انتُخبت عام 2024 وأعيد انتخابها عام 2028)، تمثل نموذجاً بالنسبة لفاطمة كارامازوف.

وقد كانت هيرنانديز أول المهنّئين، إذ بعثت برقية طويلة ودافئة لرئيسة الوزراء الجديدة، التي يُفترض أن تكون وجهتها الرسمية الأولى هي واشنطن. وهي تعمل حالياً على وضع جدول جولة ستقودها إلى أبرز عواصم المنطقة والعالم للتعريف « بالبلد الجديد». 

04/11/2025

اعتداءات وحرائق ومجازر جماعية كأنها قطعان تساق إلى الموت : الضفة الغربية تواجه عنفًا إسرائيليًا غير مسبوق

جوناثان پـولّاك، هآرتس، 25 أكتوبر 2025

ترجمها   تلاكسكالا

جوناثان پـولّاك (تل أبيب، 1982) مصمّم غرافيك إسرائيلي وكاتب في صحيفة هآرتس. شارك سنة 2003 في تأسيس مجموعة العمل المباشر الأناركيون ضد الجدار. وقد اعتُقل مرات عديدةمنها في السادس من كانون الثاني / يناير 2020.



ميليشيات من المستوطنين الإسرائيليين، مدعومة بقوات الجيش، تشنّ هجمات على القرى الفلسطينية وتعمل على تدميرها منهجيًا: اعتداءات على السكان، حرق للمحاصيل، تخريب للمركبات، وذبح للحيوانات.

الكاتب الإسرائيلي جوناثان بولّاك يروي مشاهداته خلال مرافقته لمزارعين فلسطينيين في موسم جني الزيتون، وكيف كاد يفقد حياته لمجرد تضامنه معهم.

في الجنوبِ... تُثمرُ الأشجارُ ثمرًا غريبًا،

دماء تلطخ الأوراق و الجذور،

وأجسادٌ سوداءُ تحركها نسمات ثقلى،

ثمرٌ غريبٌ يتدلّى من الحورِ الحزين.

مشهدٌ رعويٌّ من الجنوبِ الجريء،

عيونٌ جاحظةٌ، وأفواهٌ ملتوية،

عبيرُ الماغنوليا... عذبٌ، نديّ،

ثمّ فجأةً... تفوحُ رائحةُ لحمٍ بشريٍّ محترق.

ثمارٌ للغربان،

وللمطر، والريح، والشمس،

حتى تملّ الأشجارُ حملها،

وتهوي بها إلى التراب.

يا له من حصاد غريب... و مرْ.

«ثمار غريبة»، لأبِل ميروبول

 عنف المطلق

شهد العامان الأخيران موجةً من العنف الإسرائيلي الجامح. في قطاع غزة بلغ العنف ذروته إلى حدِّ الوحشية، لكن الضفة الغربية كانت مسرحًا لقدرٍ مماثل من الألم.
العنف هنا منظَّم منسّق،  بمشاركة مختلف الأجهزة الإسرائيلية : الجيش، الشرطة، حرس الحدود، جهاز الشاباك، مصلحة السجون، منسّقو أمن المستوطنات، إضافةً إلى المدنيين المسلّحين.

إسرائيلي مقنع يطلق مقذوفات من مقلاع على جامعي المحاصيل في قرية بيتا في وقت سابق من هذا الشهر. بالنسبة للعديد من المزارعين، تلاشى الحافز الاقتصادي لإنهاء الحصاد، في حين أن الخطر المميت في تزايد مستمر.
وكالة فرانس برس/صورة: جعفر أشتيه


مدنيون يحملون العصيّ والأنابيب المعدنية والحجارة، وبعضهم البنادق — ميليشياتٌ تعمل خارج القانون وتحت مظلّته في آنٍ معًا.
أحيانًا يبدأ المدنيون الهجوم والجيش يتبعهم، وأحيانًا العكس؛ لكن النتيجة واحدة: ترويعٌ وتدميرٌ ممنهج.

منذ مطلع موسم جني الزيتون، تصاعد العنف الإسرائيلي في الضفة الغربية — عنف مدروس ومنسَّق — إلى مستويات غير مسبوقة.

فقد اجتاح العنف قرى دوما وسلواد ونور شمس والمعرجات وكفر مالك والمغيّر الدير، قبل أن تلامس الأيدي أغصان الزيتون.

هو قدر القرى الفلسطينية المنسية، تواجه وحدها قسوة الحدود حيث تمتدّ المستوطنات الإسرائيلية كقلاعٍ من الحديد والحصار.

 مقتل محمد الشلبي وسيف المصالحة

ركض محمد الشلبي لينجو بحياته — دون أن يدرك أنه يركض نحو موته. شاحنة رمادية تقلّ مستوطنين إسرائيليين مسلّحين طاردته هو وعشرة آخرين.

بعد ساعات، عُثر على جثّته: رُمي بالرصاص من الخلف، وعليها آثار عنفٍ وحشيّ لا يوصف. المصير نفسه لاقاه سيف الدين مصاليت، الذي تعرّض لهجومٍ وتمكّن من الفرار لبرهة، قبل أن يسقط مغشيًّا عليه.

ظلّ ممدّدًا على الأرض، بين الحياة والموت، لساعاتٍ طويلة، فيما كان الجنود والمستوطنون يجوبون التلال بحثًا عن فريسةٍ جديدة.

كان ذلك يوم 11 يوليو 2025، أثناء مذبحة جبل الباطن، شرق رام الله.

لم أكن أعلم بعدُ أنهم ماتوا، لكنني كنت أعرف خوف الموت.

قبل بضع ساعات، كانت جموع من الإسرائيليين قد اجتاحت بلدة البطن؛ فحاولت مجموعة من الشبان الفلسطينيين من القريتين المجاورتين سنجل والمزرعة الشرقية صدّهم.

في البداية كانت الكفّة تميل لصالحهم، ثم وصلت شاحنة رمادية تقلّ رجالًا مسلّحين.

اندفعت الشاحنة نحو الفلسطينيين ودهست أحدهم. وبينما كنت أساعد في إجلاء الجريح، اضطررنا إلى الفرار — فقد أظهرت الأيام السابقة ما الذي يحدث لمن يتخلّف عن الهرب.

لم ننجح في الفرار. فقد لحق بنا مجموعة من الإسرائيليين المقنّعين، مسلّحين بهراوات الشرطة. انهالت الضربات على الوجوه، على الأضلاع، على الظهر — قبضات، أقدام، غبار، وعنف جامح لا نهاية له. وبينما كانت وجوهنا متورّمة وأجسادنا مثخنة بالكدمات، كنّا — وكما هو متوقّع — الوحيدين الذين جرى اعتقالهم عندما وصل الجنود.

وبينما كنّا ننتظر أن يُقتادونا، عادت الشاحنة متجهة نحو سنجِل، حيث كانت هناك سيارة إسعاف وأخرى مدنية. هناك بدأ الاعتداء الوحشي بكل مكونات العنف الإسرائيلي: قوّات رسمية وميليشيات خاصة، لكلٍّ دوره في المشهد، ولكلٍّ نصيبه من الجريمة.


مدنيون إسرائيليون يهاجمون المزارعين وأراضيهم ومركباتهم خلال الهجوم على بيتا في 10 أكتوبر. أصيب 20 شخصًا، أحدهم بطلق ناري. الصورة. 
وكالة فرانس برس/صورة: جعفر أشتيه

 موسم الزيتون يتحوّل إلى ساحة حرب

لطالما كان موسم الزيتون مناسبةً فلسطينيةً عائليةً وثقافية، لا مجرد نشاط اقتصادي. كانت العائلات تجتمع تحت الأشجار، تغنّي الأهازيج الشعبية، وتطهو «قلاية البندورة» ( طماطم، بصل و فلفل) على النار في الهواء الطلق.
تحويل هذا المحفل الجماعي إلى كابوسٍ من المراقبة والخطر ليس مجرد استيلاءٍ على الأرض، بل هو اعتداءٌ على الذاكرة والانتماء، محاولةٌ لاقتلاع الهوية ذاتها. إنه كما يصفه القانون الدولي شكلٌ من أشكال تدمير شعب كامل
.

الهجوم الذي أودى بحياة محمد وسيف كان مجرد حلقة إضافية في سلسلة من المجازر. لقد توقفت عن عدّ الجنائز التي شاركتُ فيها خلال الأشهر الماضية.

إلى جانب العنف، يعاني المزارعون من آثار التغيّر المناخي.
فالزيتون يُثمر عامًا ويضعف في العام التالي، وهذه السنة كان المحصول ضعيف: شتاءٌ قليل المطر وحرٌّ شديد في الربيع جفّف الأشجار وأسقط ثمارها.
الكثير من الحقول خالية من الزيتون، قبل أن نحتسب حتى آلاف الأشجار التي اقتُلعت. ومع تقلّص العائد الاقتصادي وازدياد المخاطر، باتت عملية القطف مغامرةً قد تُكلّف الحياة.



مزارعون ونشطاء فلسطينيون يحصدون الزيتون بالقرب من قرية ترمس عيا هذا الشهر. تحالف واسع النطاق حشد لدعم المزارعين.
وكالة فرانس برس/صورة حازم بدر 

حملة «زيتون 2025»

رغم التهديد والاعتقال، انطلقت حملة «زيتون 2025»، وهي تحالفٌ واسع يجمع اليسار الفلسطيني وفصائل من حركة فتح، بهدف تنظيم موسم القطف ودعم المزارعين.
قام النشطاء بتحديد مناطق الخطر واحتياجات القرى، لكن في الليلة الأولى من الموسم داهمت قوات الاحتلال منزل الناشط رَبيع أبو نعيم، أحد منسّقي الحملة، واعتقلته إداريًا — أي من دون توجيه تهمةٍ أو محاكمة.
رَبيع من قرية المغيّر شرق رام الله، وهي من أكثر المناطق تضررًا: اقتلع الجيش فيها 8500 شجرة زيتون، وأتلف المستوطنون المئات ليلاً.

بعضهم لا يزال يُدّعي أن هناك عنفاً "من الطرفين"، وأن الشرطة تحقق، وأن احتجاز ربيعة مبرر. فليصدقوا إذا هذه الخرافات.

 مواسم المجازر

في اليوم الأول من موسم جني الزيتون، قبل أسبوعين، انهمرت موجات العنف كالمطر الغزير.

في جوريش، اعتدى مستوطنون إسرائيليون على العمّال بالعصيّ.

وفي دوما — حيث أُحرِقت عائلة دوابشة حية عام 2015 — منع الجنودُ الفلسطينيين من دخول أراضيهم بحجة “التنسيق الأمني”.

في كفر ثلث، أقدم المستوطنون على ذبح قطيع من الماعز، وفي فرعتا أطلقوا الرصاص الحيّ على المزارعين، بينما كان الجنود يقفون إلى جانبهم دون أن يحرّكوا ساكنًا.

أما في كوبر، قرية مروان البرغوثي، فقد تم اعتقال المزارعين لأنهم عملوا في أراضيهم الخاصة

لكن الذروة كانت في بيتا، قرب نابلس. في العاشر من أكتوبر، توجّه نحو مئة وخمسين عاملاً إلى حقول الزيتون القريبة من بؤرة استيطانية جديدة. فتعرضوا لهجوم واسع من قبل جنود ومستوطنين معًا: ضرب، إطلاق نار، وإحراق متعمّد.

الحصيلة: عشرون جريحًا، أحدهم بالرصاص الحيّ، وإحراق عدد من السيارات وسيارة إسعاف. كما تمّ الاعتداء على ثلاثة صحفيين:

جعفر اشتية، الذي أُحرِقت سيارته، ووهّاج بني مفلح الذي كُسرت ساقه، وسَجى العالمي.

ربيع أبو نعيم يصوره جندي. عشية موسم حصاد الزيتون، داهم الجيش منزله ووضعه قيد الاحتجاز الإداري. صورة: أفيشاي موهار / Activestills

الجيش والمستوطنون: شراكةٌ في القمع

واصلت الاعتداءات انتشارها في الأيام التالية في برقة والمغيّر ولوبان الشرقية وترمسعيا وسلواد.
شارك الجيش الإسرائيلي بطرقٍ شتى: أحيانًا يرافق المهاجمين، وأحيانًا يغضّ الطرف، وأحيانًا يهاجم بنفسه.
في بورين أعلن المنطقة «عسكرية مغلقة»، واعتقل 32 متضامنًا فلسطينيًا وأجنبيًا لشرب الشاي في منازل الأهالي .

في 17 أكتوبر، شهدت بلدة سلواد ساعاتٍ طويلة من الهجمات المتواصلة: سيارات إسعاف مُخرَّبة، وعربات سرقت، وأشجارٌ مقتلعة.

وصلت شاحنة رمادية — هي ذاتها التي شوهدت في اعتداءات سابقة — مكتظّة بشبّانٍ مسلّحين، يتظاهرون بأنهم جنود. وبعدها وصل الجنود الحقيقيون، لكنهم طردوا المزارعين… لا المعتدين.

كنتُ هناك. وعند مغادرتنا، لاحقتنا سيارة إسرائيلية على طريق جبليّ ضيّق يطلّ على منحدر. كانت صور مذبحة جبل الباطن تعود إلى ذهني. نجونا من الموت بأعجوبة.

فلسطينيون من قرية كوبر، بالقرب من رام الله، في طريقهم لحصاد الزيتون. اعتقل الجيش الإسرائيلي سكانًا كانوا يعملون في أراضيهم.
وكالة فرانس برس/صورة حازم بدر 

استمرار العنف وصمود الأرض

مئات الحوادث، صغيرة وكبيرة، تتوالى.

في تورموس عيّا، اعتدى رجالٌ ملثمون على امرأة مسنّة بضربة على رأسها، فأُصيبت بنزيف دماغي. اثنان من النشطاء جُرحا، وخمسُ سيارات أُحرِقت.

وما زالت موسم الجَني لم يكتمل، بل لم يبدأ إلا بالكاد.

لكن هذه الحكاية ليست فقط حكاية عنفٍ وسلبٍ وخراب، بل هي أيضًا حكاية المقاومة الفلسطينية، والتشبّث بالأرض، والإصرار على عدم الانكسار. قالت رَبيعة، قبل أن تُعتقل، من داخل زنزانته:

 إذا اقتُلعتْ أشجار الزيتون من قريتنا، فسنحصدُ السنديان.

وإن لم يبقَ للسنديان جَوزٌ، فسنحصدُ الأوراق

 


31/10/2025

أصبح من المستحيل أن تكون فلسطينيا في الضفة الغربية

 

جدعون ليفيهآرتس، 26 أكتوبر 2025

ترجمها   تلاكسكالا

بينما يَعِد ترامب الدولَ العربيةَ بأنّ “الضمّ الإسرائيلي للضفّة الغربية لن يحدث”، يغضّ الطرف عن الدمار والسلب والفقر وعنف المستوطنين والانتهاكات العسكرية في الضفّة الغربية، لتستمرّ المعاناة بلا هوادة: فلا وقفَ للعدوان


فلسطينيون يقفون بجانب طريق مدمَّر بعد عملية عسكرية إسرائيلية في مدينة طوباس بالضفة الغربية، الأسبوع الماضي.
تصوير: مجدي محمد / وكالة أسوشييتد برس

فلسطينيون يقفون بجانب طريق مدمَّر بعد عملية عسكرية إسرائيلية في مدينة طوباس بالضفة الغربية، الأسبوع الماضي.
تصوير: مجدي محمد / وكالة أسوشييتد برس 

 لم يسمع أحد في الضفة الغربية عن وقف إطلاق النار في غزة: لا الجيش، ولا المستوطنون، ولا الإدارة المدنية، وبالطبع، لم يسمع به أيضًا  الثلاثة ملايين فلسطيني  الذين يعيشون تحت وطأة الحكم القمعي. لا أحد منهم يلمس أيّ أثر لنهاية الحرب.

من جنين إلى الخليل، لا هدنة في الأفق. فمنذ عامين، يخيّم الإرهاب على الضفة الغربية، وتُغطّيه الحرب في قطاع غزة التي تُستَخدم كذريعةٍ مشبوهةٍ وستارٍ دخاني، دون أيّ مؤشرات على أن هذا الوضع سينتهي قريبًا.

ما تزال جميع الإجراءات القمعية المفروضة على الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر سارية المفعول، بل إنّ بعضها ازداد شدّة.

أما عنف المستوطنين، فما زال مستمرًّا، كما يستمرّ تورّط الجيش والشرطة في تلك الاعتداءات. ففي غزة، تراجع عدد القتلى والنازحين، بينما في الضفة الغربية يسير كلّ شيء كما لو لم يكن هناك أيّ وقفٍ لإطلاق النار.

الإدارة الأمريكية، النشطة والحازمة في ملفّ غزة، تُغمض عينيها عن الضفة الغربية، وتخدع نفسها بشأن ما يجري هناك. فمجرد منع الضمّ يكفيها.

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي: «لن يحدث ذلك، لأنني وعدتُ الدول العربية»، بينما، من وراء ظهره، تمضي إسرائيل في الضفة الغربية في تدمير ومصادرة وإذلال الفلسطينيين، وتجفيف كل سبل الحياة.

 مستوطنون إسرائيليون يرشقون الحجارة باتجاه سكان فلسطينيين خلال هجوم على قرية ترمسعيا في الضفة الغربية، في شهر حزيران / يونيو.
تصوير: إيليا يفيموفيتش / وكالة د ب أ

يبدو أحيانًا أنّ قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، أفي بلوث، المطيع والمخلص لرئيسه – وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل أيضًا منصبًا في وزارة الدفاع –أنه  يجري تجربة بشرية بالتعاون مع المستوطنين والشرطة: لنرَ إلى أي مدى يمكننا تعذيبهم قبل أن ينفجروا.

كان الأمل أن تتراجع رغبة الأذى مع انتهاء المعارك في غزة. لكن هذا الأمل تلاشى. فالحرب في القطاع لم تكن إلا ذريعة. في حين تتجاهل وسائل الإعلام الضفة الغربية، ومعظم الإسرائيليين – والأمريكيين – لا يكترثون لما يحدث هناك، يمكن للمعاناة أن تستمر.

لقد شكّل السابع من أكتوبر بالفعل فرصة تاريخية للمستوطنين وحلفائهم لفعل ما لم يجرؤوا على فعله لسنوات طويلة.

 

عائلة زائر العمور في تلال جنوب الخليلوهي منطقة تتعرّض كثيرًا لعنف المستوطنين والجيشتتناوب الحراسة من المساء حتى الصباح لحماية أراضيها.
تصوير: وسام هشلمون / وكالة الأناضول عبر وكالة  فرانس برس

لم يَعُد بالإمكان أن تكون فلسطينيًّا في الضفة الغربية. فهي لم تُدمَّر كما دُمِّرت غزة، ولم يُقتل فيها عشرات الآلاف، ولكنّ الحياة أصبحت فيها مستحيلة. من الصعب تخيّل أنّ القبضة الحديدية الإسرائيلية يمكن أن تستمرّ طويلًا دون انفجار العنف – مبرَّر هذه المرة.

ما بين 150 ألفًا و200 ألف فلسطيني من الضفة الغربية كانوا يعملون في إسرائيل أصبحوا عاطلين عن العمل منذ عامين. عامان من دون شيكلٍ واحد من الدخل. كما تمّ تقليص رواتب عشرات الآلاف من موظفي السلطة الفلسطينية بشكل كبير بسبب احتجاز إسرائيل لأموال الضرائب التي تقتطعها نيابة عنها.

الفقر والمعاناة يسودان المكان. وكذلك الحواجز ونقاط التفتيش؛ لم يسبق أن كانت بهذا العدد، ولا لهذه المدة الطويلة. هناك الآن مئات منها.

كلّ مستوطنة تملك بواباتٍ حديدية تُغلق وتُفتح تباعًا. لا يمكن معرفة أيّها مفتوح وأيّها مغلق – والأهمّ، متى. كل شيء عشوائي. كل ذلك نتيجة ضغط المستوطنين الذين جعلوا من جيش الدفاع الإسرائيلي خادمًا مطيعًا لهم. هكذا هي الحال عندما يكون سموتريتش وزيرًا مسؤولًا عن الضفة الغربية.

 

منزل أُحرِق خلال أحداث الشغب عام 2023 في قرية حوارة. كان سموتريتش قد تحدّث عنالخطة الحاسمةمنذ عام 2021.
تصوير: أمير ليفي

منذ السابع من أكتوبر المشؤوم، أُقيم نحو 120 بؤرة استيطانية جديدة، تكاد جميعها تكون عنيفة، وتمتدّ على عشرات آلاف الهكتارات، وكلّها بدعمٍ من الدولة. لا تمرّ أسبوع دون إنشاء بؤر جديدة؛ كما أنّ حجم التطهير العرقي الذي تسعى إليه هذه السياسة غير مسبوق. فقد ذكرت الصحفية هاغار شزاف يوم الجمعة أنّه خلال حرب غزة، فرّ سكان 80 قرية فلسطينية في الضفة الغربية خوفًا من المستوطنين الذين استولوا على أراضيهم.

يتغيّر وجه الضفة الغربية يومًا بعد يوم. أراه بعينيّ المندهشتين. قد يتفاخر ترامب بأنه أوقف الضمّ، لكنّ الضمّ أصبح أعمق تجذّرًا من أي وقت مضى.

من مركز القيادة التي أنشأها الجيش الأمريكي في كريات غات يمكن رؤية غزة، لكن لا يمكن رؤية كريات أربع، المستوطنة المقامة قرب الخليل.

إنّ الضفة الغربية تصرخ مطالبةً بتدخّلٍ دولي عاجل لا يقلّ ضرورةً عن قطاع غزة. جنودأمريكيون أو أوروبيون أو إماراتيون أو حتى أتراكيجب أن يحمي أحدٌ سكانها العزّل. يجب أن يُنقَذوا من قبضة الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.

تخيّل جنديًّا أجنبيًّا عند حاجزٍ يوقف غوغاء المستوطنين في طريقهم إلى تنفيذ مذبحة. حلم.