2025/10/30 -Rubén Kotler روبن كوتلر
يعرّف المؤرخ الإسرائيلي Ilan Pappé (إيلان بابِّه) اللوبي بأنه «التأثير الذي
يُمارس لتغيير السياسات العامَّة أو لتوجيه الرأي العام». في كتابه الأخير، يحلّل
تاريخ اللوبي الصهيوني بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
أما في أمريكا اللاتينية، فقد ترسّخ النفوذ الصهيوني منذ النصف
الأول من القرن العشرين، وكان حاسمًا في دعم دولة إسرائيل وسياساتها القائمة على
الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والفصل العنصري والاستعمار والتوسّع والعنصرية ورُهاب
الإسلام — وهي الأعمدة التي يقوم عليها هذا الكيان المعلن «يهوديًا» على
حساب الشعب الفلسطيني.
هذا البناء الاستعماري يستند إلى دعم الجاليات اليهودية
الصهيونية في أنحاء العالم. ويمكن ملاحظة ذلك بشكل جلي عند التمعُّن في جاليات مثل
تلك الموجودة في توكومان بالأرجنتين.
المدرسة الرئيسية للجالية — التي درستُ فيها — تعتمد نظامًا
مزدوجًا، حيث يشكّل التعليم اليهودي الصهيوني عمودًا أساسيًا في ترسيخ الولاء
لإسرائيل. المناهج اليهودية بعيدة عن الأرثوذكسية الدينية، لكنها تُغذّي هوية
صهيونية متجذّرة.
تُحتفل الأعياد الوطنية الأرجنتينية والأعياد اليهودية بالحماسة
نفسها، ضمن خطاب قومي لا يختلف كثيرًا عن ذلك السائد في المدارس داخل المستعمرة
الإسرائيلية نفسها.
لقد بلغ التغلغل الصهيوني في العالم الديني اليهودي حدًّا جعل
حتى الطوائف الإصلاحية تدرج في صلواتها دعاءً إلى الله لحماية الجيش الإسرائيلي.
صور من احتفال مدرسي «وطني إسرائيلي» في توكومان
(من أرشيف المؤلف)
في الوقت نفسه، تموّل برامج المنح الدراسية رحلات تعريفية إلى
الدولة اليهودية المعلَنة — وكأنها رحلة إلى «عالم والت ديزني » — وتتكامل مع
منظومة مؤسساتية محلية تعزّز فكرة الدفاع عن إسرائيل كوطن ثانٍ، بل كوطن متخيَّل
يلجأ إليه اليهود عند تكرار «هولوكوست» جديد.
الهجمات على سفارة إسرائيل في بوينس آيرس عام 1992، وعلى مبنى AMIA عام 1994، عزّزت
هذه المخاوف. ومنذ عام 1994، أقامت مؤسسات الجالية اليهودية الصهيونية جدرانًا
خارجية «لمنع تفجيرات السيارات المفخخة». وعلى مدى ثلاثين عامًا، تنتظر الجالية
«الهجوم الثالث» كما ينتظر الناس المخلّص.
القَسَم الذي يؤديه الجنود الإسرائيليون في قلعة مسادا داخل
الأراضي الفلسطينية المحتلة — بألا تسقط صهيون مجددًا — يُكرَّر بالروح نفسها في
المدارس اليهودية الصهيونية.
تُعتبر Delegación de Asociaciones Israelitas Argentinas أو «وفد الجمعيات
الإسرائيلية الأرجنتينية» واحدة من أكثر مؤسسات الدعاية الصهيونية نفوذًا في
الأرجنتين. كانت غايتها المعلَنة حماية مصالح اليهود في البلاد، لكنها في الواقع
تدافع عن مصالح الصهيونية، وهي من أبرز من ساهم في ترويج الخلط بين الصهيونية
ومعاداة السامية.
منذ عام 2003، حافظت الحكومات المتعاقبة في مقاطعة توكومان على
علاقات اقتصادية وثقافية وسياسية واجتماعية وثيقة مع إسرائيل. وقد مثّل انتخاب
ألبيروفيتش — ابن عائلة يهودية صهيونية من النخبة التجارية — حدثًا رمزيًا في في
بلد فيه الديانة الرسمية الغالبة هي الكاثوليكية الرومانية.
كانت هذه التحالفات موجودة بالفعل قبل الانتخابات، لكنها تعزّزت
مع إدماج أعضاء من الجالية اليهودية المحلية في الحكومة.
كما ضمّ حكومته شخصيات بارزة من الجالية اليهودية المحلية، إذ
تبنّى عدد من قياداتها الحركة البيرونية كإطار سياسي لمدّ نفوذهم، فعقدوا اتفاقيات
اقتصادية عزّزت الروابط بين المقاطعة والدولة الإسرائيلية.
خوان لويس منزور (1969)
- أغنى مسؤول في الإدارة الوطنية
واصل الحاكم اللاحق Juan Luis Manzur (خوان لويس مانسور) — الخط نفسه من الولاء
للصهيونية. كانت له علاقات وثيقة بجماعة Jabad Lubavitch (حاباد لوبافيتش)، وسرعان ما أبرم مانسور اتفاقات
تجارية مع إسرائيل في أحد المجالات التي تتميّز فيها هذه المُستوطَنة، وهو مجال
الأمن.
في نهاية عام 2018، اشترت حكومة المقاطعة أربعة آلاف مسدس نصف
آلي من طراز Jericho 9mm (جيريخو 9 ملم) من شركة Israel Military Industries (إسرائيل ميليتاري
إندستريز)
التي تمت خصخصتها وضمّها إلى Elbit Systems (إلبيت سيستمز). بلغت قيمة الصفقة تسعة ملايين دولار،
وجلبت إلى المقاطعة أسلحة تُستخدم أيضًا ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
أحد تلك الأسلحة استخدمته شرطة توكومان في قتل Luis Espinoza (لويس إسبينوسا) خلال فترة الجائحة في مايو
2020، بعد اختطافه و«اختفائه» سبعة أيام قبل العثور على جثته.
لم تتوقّف الأمور عند هذا الحد. فقبل عامين من اختفاء لويس
إسبينوزا ثم وفاته، وتحديداً في 13 أغسطس/آب 2018، قدّم أوركسترا القدس السيمفوني
حفلاً في أحد أبرز مسارح المقاطعة، برعاية الحكومة الإقليمية نفسها.
ما عنونتُه آنذاك بـ«حفلٍ من الرصاص» كان يصف الكيفية التي جرى
بها احتضان الدولة الصهيونية عبر حدثٍ ثقافي يُطَبِّع اضطهاد الشعب الفلسطيني. إنّ
تطبيع البنية الاستعمارية من خلال الثقافة والرياضة هو من السمات المميّزة لهذا
النوع من التحالفات ولهذا التغلغل على الصعيد العالمي. ويمكنني الرجوع إلى ما أبعد
في الزمن، لكن هذه الوقائع المتعلقة بتأثير الصهيونية تكفي لتوضيح مقصدي، ولا سيما
في ما تلا ذلك من سلسلة اتفاقات تجارية وغيرها، لم تُسهم إلا في تعزيز تلك الروابط
مع اللوبي الصهيوني داخل المقاطعة.
البيرونية حليف الصهيونية
يُشار اليوم إلى حكومة اليميني المتطرف Javier Milei (خافيير ميلي) بوصفها شريكًا استراتيجيًا
للصهيونية وداعمًا للإبادة ضد الفلسطينيين، لكن جزءًا من التيار البيروني يلوذ
بالصمت أو يغضّ الطرف عن العلاقات الرسمية مع الكيان الصهيوني.
تتكرّر زيارات المسؤولين الأرجنتينيين إلى إسرائيل من حكومة إلى
أخرى. كما تتكرّر الاتفاقيات التي توقعها سلطات المقاطعة والجامعات المحلية مع
المؤسسات الإسرائيلية، بغضّ النظر عن تغيّر الإدارات.
يجدر التذكير بأن أول زيارة رسمية للرئيس البيروني Alberto Fernández (ألبرتو فرنانديث)، قبل الجائحة ، كانت إلى
إسرائيل حيث صافح «مجرم الحرب» Benjamin Netanyahu (بنيامين نتنياهو). كما أن وزيره Eduardo “Wado” de
Pedro
(إدواردو وادو دي بيدرو) — وهو ابن أحد المفقودين خلال الديكتاتورية العسكرية — استقدم
إلى الأرجنتين شركة المياه الإسرائيلية Mekorot (ميكوروط) للسيطرة على مورد استراتيجي هو
المياه.
لم يكن من الممكن أن يجهل دي بيدرو الاتهامات الدولية الموجَّهة
إلى الشركة لدورها في نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين من خلال السيطرة على
الموارد المائية في الأراضي المحتلة. واليوم تتعمّق هذه العلاقات مع سعي حكومة
ميلي اليمينية المتطرّفة إلى خصخصة شركة المياه الوطنية Agua y Saneamiento Argentino (أغوا إي
سانياميينتو أرخنتينو).
هل ستكون «ميكوروط» هي الجهة التي تشتريها؟ الاحتمال كبير جدًا.
في 13 أكتوبر 2021، خلال جائحة كوفيد-19، وقّعت وزارة الصحة في
مقاطعة توكومان اتفاق تعاون مع Hadassah Medical Network (شبكة هداساه الطبية) الإسرائيلية. وقّعت
الاتفاق وزيرة الصحة حينها Rossana Chahla (روسّانا تشاهلا)، التي تشغل اليوم منصب
رئيسة بلدية عاصمة الولاية، وسنتناولها بالحديث في الفصل الأخير من هذه الملحمة
التي تروي خضوع المقاطعة للصهيونية. لكن بالعودة إلى اتفاق «التعاون» مع المؤسسة
الإسرائيلية، فلم يحظَ هذا الاتفاق بالانتشار الكافي.
وفقًا لموقع الوزارة الرسمي: «يهدف هذا الاتفاق إلى تبادل
المعرفة الطبية المطوّرة في مركز هداساه الطبي في إسرائيل، وإتاحة فرص للتدريب
والندوات واللقاءات العلمية، إضافةً إلى دمج المستشفيات ومراكز الصحة في توكومان
ضمن شبكة هداساه، ليتمكّن الأطباء من الاطلاع على أحدث المعارف وأكثرها تطورًا.»
تحتاج السردية الصهيونية إلى كتّابها ومروّجيها. تعتمد Hasbará (هسبراه) — وهي آلة الدعاية
الإسرائيلية الرسمية — على تمويل وسائل الإعلام الكبرى، وغزو شبكات التواصل
الاجتماعي بأصوات تزرع خطابًا موجَّهًا. وكما قال Benjamin Netanyahu (بنيامين نتنياهو) مؤخرًا: «يجب على إسرائيل
أن تشتري تطبيق TikTok
(تيك توك).»
وفي هذا الإطار، تلعب الجامعات دورًا أساسيًا. فالاتفاقيات بين
الجامعات الأرجنتينية العمومية والمؤسسات الصهيونية أو الموالية للصهيونية أصبحت
ظاهرة واضحة.
في 23 يوليو من هذا العام، استضافت كلية الحقوق بجامعة توكومان
الوطنية فعالية دعائية من هذا النوع لتقديم كتاب Ariel Gelblung (أرييل غيلبلونغ) المعنون Antisemitismo:
Definir para combatir (معاداة السامية: التعريف من أجل المكافحة)، وهو مدير Centro Simon
Wiesenthal (مركز سيمون فيزنثال) المعروف بدعمه القوي للسردية
الصهيونية.
نظّمت الفعالية بدعم من فرع DAIA (دايا) المحلي، وبمشاركة شخصيات من القضاء
والجامعة والحكومة، من بينهم قضاة المحكمة العليا Claudia Sbdar (كلوديا سبدار) وDaniel Posse (دانييل بوسيه)، والصحفي Álvaro José Aurane (ألفارو خوسيه
أوراني)
من صحيفة La Gaceta (لا غاثيتا)، والمسؤولان Raúl Albarracín (راؤول ألباراسين) وHugo Navas (هوجو نافاس).
الحدث أُدرج ضمن برنامج دبلوم دراسات عليا بعنوان «الإبادة
الجماعية والجرائم ضد الإنسانية»، الذي لا يذكر مطلقًا الإبادة بحق الشعب
الفلسطيني.
وفي 25 يوليو، أُقيمت جلسة خاصة لطلاب المدارس، كرّست مجددًا
الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. قال غيلبلونغ في مقابلة صحفية:
«نعيش أسوأ موجة من معاداة السامية منذ نهاية الحرب العالمية
الثانية. الصراع في الشرق الأوسط يعرّض الجاليات اليهودية في العالم للخطر
الحقيقي. إن عدم الفصل بين بعض الأمور، وسقوط بعض الأقنعة من خلال الانحياز في بعض
الحالات إلى جانب الإرهاب، أمر بالغ الخطورة.»
وأضاف: «الصهيونية ليست كلمة سيئة. إنها حركة تقرير المصير للشعب اليهودي في أرضه التاريخية. لا يمكن لأحد أن يقول إنه يؤيد حق تقرير المصير لكل الشعوب ما عدا شعب واحد. هذا تمييز صريح. من يقول إنه ضد الصهيونية وليس ضد اليهود هو ببساطة مخطئ.»
ومنذ 7 أكتوبر 2023، يكرّر هؤلاء أن العالم يشهد تصاعدًا خطيرًا
في معاداة السامية، رغم غياب الأدلة. إن مجرد قول غزة أو ذكر فلسطين يحوّل من
يندّد إلى معادٍ للسامية، مهما كان السياق أو الصيغة.
[1] الهاسبارا، هي كلمة عبرية و تعني «الشرح» أو «التفسير» أو «التوضيح»، و هي آلة
الدعاية التي تستخدمها إسرائيل لتلميع صورة النظام وفرض خطاب يقدّم الكيان
الصهيوني بوصفه «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، و الجيش على أنه «الأكثر
أخلاقية في العالم»، ويبرّر أن جميع عملياته العسكرية ضد دول المنطقة هي عمليات
«دفاعية».
روسانا تشاهلا (1966)، رئيسة بلدية توكومان، تنتمي إلى
التيار العدلي (البيروني/الكيرشنري)
تُكتب أحدث فصول التحالف بين توكومان والصهيونية بيد روسّانا
تشاهلا. عمدة مدينة سان ميغيل دي توكومان, وقّعت اتفاق تعاون أمني مع الوكالة
الإسرائيلية Mashav (ماشاف) لتدريب كوادر البلدية.
ورغم احتجاج منظمة Tucumán por Palestina (توكومان من أجل
فلسطين)،
مضت البلدية قدمًا في تنفيذ الاتفاق. وسط الإبادة الجماعية، عززت تشاهلا، وهي
طبيبة ومن أصول سوريّة–لبنانيّة، روابطها مع الصهيونية
و كما جاء في الموقع الرسمي للبلدية:
«يتناول البرنامج، الذي يُدرَّس بالإسبانية في معهد Beit Berl (بيت بيرل) قرب تل
أبيب، موضوعات رئيسية مثل التنسيق بين البلديات وقوات الشرطة، وإنشاء شرطة محلية،
وإدارة الطوارئ، والعمل مع الشباب المعرّضين للخطر، والتعاون مع المؤسسات
التعليمية والمنظمات المحلية والقطاع الخاص.»
شبح يجوب توكومان: شبح الإبادة
تضم مجموعة Tucumán por Palestina (توكومان من أجل فلسطين) خليطًا واسعًا من
الفلسطينيين واليهود المناهضين للصهيونية والفنانين والنقابيين والأكاديميين. وقد
دأبت على فضح الجرائم الإسرائيلية في فلسطين وعلى التنديد بالنفوذ الصهيوني في
المقاطعة. ومع ذلك، لم تخصّص الصحف المحلية الكبرى سطرًا واحدًا لتغطية نشاطها،
بينما منحت مساحات واسعة لتغطية فعاليات الجالية اليهودية الصهيونية.
بوصفي ابنًا لتلك الجالية، أجدّد موقفي الرافض للصهيونية
وللإبادة. أرفع صوتي في كل مناسبة، كما يفعل رفاقنا في توكومان من أجل فلسطين.
لاختراق هذا الشبح المسمّى بالإبادة الجماعية أسماء وألقاب في
المقاطعة، وكثير منهم من أصول سوريّة–لبنانيّة، مثل رئيسة بلدية عاصمة توكومان.









