31/10/2025

لم يَعُد بالإمكان أن تكون فلسطينيًّا في الضفة الغربية

 

جدعون ليفيهآرتس، 26 أكتوبر 2025

ترجمها   تلاكسكالا

بينما يَعِد ترامب الدولَ العربيةَ بأنّ “الضمّ الإسرائيلي للضفّة الغربية لن يحدث”، يغضّ الطرف عن الدمار والسلب والفقر وعنف المستوطنين والانتهاكات العسكرية في الضفّة الغربية، لتستمرّ المعاناة بلا هوادة: فلا وقفَ للعدوان

فلسطينيون يقفون بجانب طريق مدمَّر بعد عملية عسكرية إسرائيلية في مدينة طوباس بالضفة الغربية، الأسبوع الماضي.
تصوير: مجدي محمد / وكالة أسوشييتد برس

في الضفة الغربية، لم يسمع أحد عن وقف إطلاق النار في غزة: لا الجيش، ولا المستوطنون، ولا الإدارة المدنية، وبالطبع، لم يسمع به أيضًا الفلسطينيون الثلاثة ملايين الذين يعيشون تحت وطأة حكمهم القمعي. لا أحد منهم يلمس أيّ أثر لنهاية الحرب.

من جنين إلى الخليل، لا هدنة في الأفق. فمنذ عامين، يخيّم الإرهاب على الضفة الغربية، وتُغطّيه الحرب في قطاع غزة التي تُستَخدم كذريعةٍ مشبوهةٍ وستارٍ دخاني، دون أيّ مؤشرات على أن هذا الوضع سينتهي قريبًا.

ما تزال جميع الإجراءات القمعية المفروضة على الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر سارية المفعول، بل إنّ بعضها ازداد شدّة.

أما عنف المستوطنين، فما زال مستمرًّا، كما يستمرّ تورّط الجيش والشرطة في تلك الاعتداءات. ففي غزة، تراجع عدد القتلى والنازحين، بينما في الضفة الغربية يسير كلّ شيء كما لو لم يكن هناك أيّ وقفٍ لإطلاق النار.

الإدارة الأمريكية، النشطة والحازمة في ملفّ غزة، تُغمض عينيها عن الضفة الغربية، وتخدع نفسها بشأن ما يجري هناك. فمجرد منع الضمّ يكفيها.

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي: «لن يحدث ذلك، لأنني وعدتُ الدول العربية»، بينما، من وراء ظهره، تمضي إسرائيل في الضفة الغربية في تدمير ومصادرة وإذلال الفلسطينيين، وتجفيف كل سبل الحياة.

 مستوطنون إسرائيليون يرشقون الحجارة باتجاه سكان فلسطينيين خلال هجوم على قرية ترمسعيا في الضفة الغربية، في شهر حزيران / يونيو.
تصوير: إيليا يفيموفيتش / وكالة د ب أ

يبدو أحيانًا أنّ قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، أفي بلوث، المطيع والمخلص لرئيسهوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل أيضًا منصبًا في وزارة الدفاعيجري تجربة بشرية بالتعاون مع المستوطنين والشرطة: لنرَ إلى أي مدى يمكننا تعذيبهم قبل أن ينفجروا.

كان الأمل أن تتراجع رغبة الأذى مع انتهاء المعارك في غزة. لكن هذا الأمل تلاشى. فالحرب في القطاع لم تكن إلا ذريعة. حين تتجاهل وسائل الإعلام الضفة الغربية، ومعظم الإسرائيليينوالأمريكيينلا يكترثون لما يحدث هناك، يمكن للمعاناة أن تستمر.

لقد شكّل السابع من أكتوبر بالفعل فرصة تاريخية للمستوطنين وحلفائهم لفعل ما لم يجرؤوا على فعله لسنوات طويلة.

 

عائلة زائر العمور في تلال جنوب الخليلوهي منطقة تتعرّض كثيرًا لعنف المستوطنين والجيشتتناوب الحراسة من المساء حتى الصباح لحماية أراضيها.
تصوير: وسام هشلمون / وكالة الأناضول عبر وكالة  فرانس برس


لم يَعُد بالإمكان أن تكون فلسطينيًّا في الضفة الغربية. فهي لم تُدمَّر كما دُمِّرت غزة، ولم يُقتل فيها عشرات الآلاف، ولكنّ الحياة أصبحت فيها مستحيلة. من الصعب تخيّل أنّ القبضة الحديدية الإسرائيلية يمكن أن تستمرّ طويلًا دون انفجار العنفمبرَّر هذه المرة.

ما بين 150 ألفًا و200 ألف فلسطيني من الضفة الغربية كانوا يعملون في إسرائيل أصبحوا عاطلين عن العمل منذ عامين. عامان من دون شيكلٍ واحد من الدخل. كما تمّ تقليص رواتب عشرات الآلاف من موظفي السلطة الفلسطينية بشكل كبير بسبب احتجاز إسرائيل لأموال الضرائب التي تقتطعها نيابة عنها.

الفقر والمعاناة يسودان المكان. وكذلك الحواجز ونقاط التفتيش؛ لم يسبق أن كانت بهذا العدد، ولا لهذه المدة الطويلة. هناك الآن مئات منها.

كلّ مستوطنة تملك بواباتٍ حديدية تُغلق وتُفتح تباعًا. لا يمكن معرفة أيّها مفتوح وأيّها مغلقوالأهمّ، متى. كل شيء عشوائي. كل ذلك نتيجة ضغط المستوطنين الذين جعلوا من جيش الدفاع الإسرائيلي خادمًا مطيعًا لهم. هكذا هي الحال عندما يكون سموتريتش وزيرًا مسؤولًا عن الضفة الغربية.

 

منزل أُحرِق خلال أحداث الشغب عام 2023 في قرية حوارة. كان سموتريتش قد تحدّث عنالخطة الحاسمةمنذ عام 2021.
تصوير: أمير ليفي

منذ السابع من أكتوبر المشؤوم، أُقيم نحو 120 بؤرة استيطانية جديدة، تكاد جميعها تكون عنيفة، وتمتدّ على عشرات آلاف الهكتارات، وكلّها بدعمٍ من الدولة. لا تمرّ أسبوع دون إنشاء بؤر جديدة؛ كما أنّ حجم التطهير العرقي الذي تسعى إليه هذه السياسة غير مسبوق. فقد ذكرت الصحفية هاغار شزاف يوم الجمعة أنّه خلال حرب غزة، فرّ سكان 80 قرية فلسطينية في الضفة الغربية خوفًا من المستوطنين الذين استولوا على أراضيهم.

يتغيّر وجه الضفة الغربية يومًا بعد يوم. أراه بعينيّ المندهشتين. قد يتفاخر ترامب بأنه أوقف الضمّ، لكنّ الضمّ أصبح أعمق تجذّرًا من أي وقت مضى.

من مركز القيادة التي أنشأها الجيش الأمريكي في كريات غات يمكن رؤية غزة، لكن لا يمكن رؤية كريات أربع، المستوطنة المقامة قرب الخليل.

إنّ الضفة الغربية تصرخ مطالبةً بتدخّلٍ دولي عاجل لا يقلّ ضرورةً عن قطاع غزة. جنودأمريكيون أو أوروبيون أو إماراتيون أو حتى أتراكيجب أن يحمي أحدٌ سكانها العزّل. يجب أن يُنقَذوا من قبضة الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.

تخيّل جنديًّا أجنبيًّا عند حاجزٍ يوقف غوغاء المستوطنين في طريقهم إلى تنفيذ مذبحة. حلم.

 

 

 

 

Aucun commentaire: