ميلو راو
الثقافية
الأوروبية. فيينا، 4 أكتوبر
ترجمها تلاكسكالا
ميلو راو
(1977) Milo Rau هو مخرج مسرحي وسينمائي سويسري، يُعتبر من أبرز الأسماء في المسرح السياسي
المعاصر. يشغل حاليًا منصب المدير الفني لمهرجان فيينا المسرحي (Wiener Festwochen)،
وقد عُرف بأعماله التي تمزج الفن بالتحقيقات الاجتماعية والسياسية، حيث لا يتردد
في طرح أسئلة أخلاقية حادة تتعلق بالعدالة، الذاكرة، والحقيقة. تشتهر أعماله
بالانخراط في قضايا حقوق الإنسان، وغالبًا ما تثير نقاشًا واسعًا في الأوساط
مثل النمسا وألمانيا، لا تزال الحكومة الإيطالية واحدة
من آخر الحكومات الأوروبية التي تبقى وفية للحكومة الإسرائيلية – رغم مذكرة
التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب
جرائم حرب، ورغم تقرير الأمم المتحدة الصادر في 16 سبتمبر الذي يتهم إسرائيل
بارتكاب «إبادة جماعية» في غزة.
واليوم، يخرج مئات الآلاف
من الناس إلى الشوارع في الدول الثلاث للضغط على حكوماتهم.
وبمناسبة البروفات
النهائية لمسرحيته «الرسالة» في روما، يوجه مدير مهرجان فيينا، ميلو راو، رسالة أخرى
إلى زملائه: نداء لمقاومة جرائم الحرب في غزة.
هل تعرفون هذا الشعور؟ لقد تمت دعوتكم، واشتريتم هدية،
وكتبتم أيضًا رسالة صغيرة – رسالة شعرية، إنسانية. لكن في طريقكم إلى تلك الدعوة،
تدركون أن هناك شيئًا غير صحيح، أن الأمر لم يعد يجدي، أنه يبدو خطأ.
هكذا أشعر اليوم، فيما
يخرج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع في إيطاليا لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة.
اليوم، بينما أستعد لعرض
مسرحي الجديد في إيطاليا: «الرسالة».
تتناول المسرحية العلاقات بين الأطفال ووالديهم، بين
الممثلين وجمهورهم.
تتحدث عن تشيخوف، جان
دارك، وعدة رموز أوروبية أخرى.
إنها عن الحب والحزن، وقبل
كل شيء عن حاجتنا الجماعية إلى الجمال والمجتمع.
لكن، هل تعرفون ماذا؟
اليوم، هنا، تبدو هذه المسرحية غريبة، خاطئة في مكانها.
في هذا الوقت الذي تسقط
فيه القنابل على غزة كل يوم، والأسطول الذي كان في طريقه لوقف الإبادة قد تم
إيقافه هو نفسه، يبدو لي أن الجمال والحزن والفكاهة في مسرحيتي صمتٌ عظيم، بل كذبة.
ربما تعرفون هذا البيت من برتولت بريخت:
«أي زمن هذا، يصبح فيه الحديث عن الأشجار جريمة تقريبًا
لأنه يعني الصمت عن الكثير من الجرائم».
نعم، هذا بالضبط ما أشعر
به: كمن يصمت بالكلمات.
لذا، كتبت رسالة ثانية بسرعة – رسالة سياسية مباشرة.
بالطبع، لا شيء أكثر سخرية
من رفع القبضة على المسرح، من ترديد الشعارات واليوتوبيا في قاعة عرض.
لقد عرف بريخت هذا أيضًا: «الشيء
الوحيد الأسوأ من الواقعية الاشتراكية هو الواقعية الاجتماعية الديمقراطية.»
المسرح ليس مكانًا للوضوح الأخلاقي، بل هو مكان للتناقض.
المسرح الذي أحبه هو مكان مظلم،
تراجيدي، ساخر، هش ومفكر.
لكن، يا أصدقائي الأعزاء، اليوم
يجب أن نكون واضحين.
يجب أن نقول ما نؤمن به.
يجب أن نوجه أنظارنا نحو ما يحدث في الخارج، في العالم، وأن نتوقف عن الصمت حياله.
ماذا يعني ألا نصمت كفنانين اليوم؟
أولًا: لا تدعوا أحدًا يربككم بالقول إن عليكم أن تختاروا «جانبًا».
قد تكون عبارة مبتذلة، لكن
الإنسانية لها جانب واحد فقط.
الحديث عن غزة يعني إدانة جرائم الجيش الإسرائيلي تمامًا
كما يعني إدانة جرائم حماس.
عدم الصمت يعني الوقوف إلى
جانب كل من يخرج إلى الشوارع احتجاجًا على الإبادة الجماعية في غزة – سواء كانوا
فلسطينيين أو إسرائيليين أو أوروبيين.
لأن الجريمة ضد الإنسانية لا
تستهدف هذا الشعب أو ذاك، بل تستهدف الإنسانية نفسها.
وثانيًا: التحدث يعني تسمية الأشياء بأسمائها.
في الأسبوع الماضي، سمعتم
جميعًا التصريح المشين للسياسي المتطرف إيال مزراحي على التلفزيون الإيطالي، عندما
سُئل عن الأطفال الذين قُتلوا في غزة فقال:
«عرّفوا لي الأطفال.»
وأي شخص يستخدم مصطلح «الإبادة الجماعية»، الذي استخدمته
الأمم المتحدة بوضوح لوصف حرب إسرائيل على غزة، يسمع الرد ذاته:
«عرّف الإبادة الجماعية.»
كما لو كنا في ندوة أكاديمية، وكأن الناس لا يموتون في
غزة كل دقيقة أثناء قراءتكم هذه الرسالة – بسبب القنابل والجوع والمرض.
من الصعب الاعتراف بذلك، لكننا أضعنا شهورًا، بل سنوات،
في ألعاب لغوية.
يكفي أن نقرأ تقريرًا
واحدًا من تقارير الأمم المتحدة أو أي منظمات بحثية مستقلة، أو أن نفتح صحيفة
واحدة فقط، لنعلم أن الجريمة واضحة أمام الجميع.
وأن كل المؤسسات التي أنشأناها
بعد الحرب العالمية الثانية لمنع ما يحدث الآن في غزة، قد سمّت ما يجري باسمه
الحقيقي: إبادة جماعية.
لكن كتابة هذه الكلمة شيء، واتباع تبعاتها شيء آخر.
القوانين ليست قصائد
نرددها، بل هي واجبات يجب تنفيذها.
كما يقول المسيح في العهد
الجديد:
«لا نريد أن نحب بالكلام واللسان، بل بالفعل والحق.»
القوانين، والكلمات، والمؤسسات التي لا تُطبّق تتحول إلى
زخارف للظلم واللاإنسانية.
وفي النهاية، عندما تصبح
عاجزة، تُلغى – ومعها الديمقراطية والحرية.
نداء إلى زملائي في الفن
هذه الرسالة موجهة إليكم، أنتم الذين تديرون المسارح وتدافعون
عن مؤسسات الحرية:
كونوا قدوة، كونوا أحرارًا.
أن تتكلموا ولا تصمتوا يعني ألا تخافوا.
لا تخافوا من فقدان
مناصبكم، لا تخافوا من قول الحقيقة بكلمات صادقة.
يجب ألا نصمت بعد الآن
خوفًا من أن نصبح بين «الخاسرين» في التاريخ.
كما قال بريخت قبل انتصار الفاشية في ألمانيا وقبل نفيه
القسري:
«من الآن فصاعدًا، ولسنوات طويلة، لن يكون هناك منتصرون
بعد اليوم، بل المهزومون فقط.»
لأنه إن لم نتحرك الآن، وإن واصلنا الصمت، فلن نصبح
شركاء فحسب،
بل سندمّر إنسانيتنا،
وحريتنا، وفي النهاية سلامنا.
إن صمتنا اليوم يعني أننا
سنُجبر على القتال غدًا، كما قاتل أجدادنا وآباؤنا ضد الفاشية.
فإذا خان الفنانون قيمهم
في أوقات السلم، وإذا صمتنا الآن دون أن نُهدَّد، فكيف سنصمد حين نُختبر في وحل
الواقع؟
لا حق لنا في الصمت
نحن لا نملك حق الصمت.
ألمانيا والنمسا، حيث أعيش
وأعمل، وإيطاليا، حيث سأعرض مسرحيتي «الرسالة» الأسبوع المقبل:
هذه هي الدول الثلاث التي
أنجبت الفاشية الكلاسيكية.
وليس قبل زمن بعيد، خططنا ونفذنا إبادة جماعية – إبادة
يهود أوروبا – أبشع إبادة في التاريخ.
حتى آنذاك، صمتنا
واستمررنا في حياتنا،
اختبأنا لأننا خِفنا على
مناصبنا، لأننا لم نرِد أن «ننظر إلى الأمور من جانب واحد»، لأن «الفن له قيمته
الخاصة» ولأن «الوضع معقد».
حتى آنذاك، كان كل شيء
واضحًا أمامنا، ومع ذلك أخفينا الأسوأ خلف العبارات الملطَّفة.
في 16 سبتمبر، اتهمت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة الحكومة
الإسرائيلية بـ «أدلة مباشرة على نية الإبادة».
واستشهد أعضاء اللجنة بخطب
وأوامر ورسائل صادرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزرائه
وجنرالاته،
من بينها خطاب تلفزيوني
شبّه فيه نتنياهو غزو الجيش الإسرائيلي لغزة بما وصفته اللجنة بأنه «حرب مقدسة للإبادة
الكاملة» كما وردت في التوراة العبرية.
فماذا ننتظر؟
كم من مئات الآلاف يجب أن
يخرجوا إلى الشوارع قبل أن نتحمل، نحن الفنانون والمديرون والمنظمون الثقافيون، مسؤولياتنا؟
قبل أن نحوّل مسارحنا من
أماكن للصمت البليغ إلى أماكن للمقاومة؟
هناك بيت شعر أحبه للشاعر اليهودي الأمريكي ديلمور
شوارتز يقول فيه:
«الزمن هو المدرسة التي نتعلّم فيها، والزمن هو النار
التي نحترق فيها.»
فلنحترق ونتعلّم في الوقت نفسه،
فلنكن فنانين ومناضلين
معًا.
فلنتوقف عن الصمت، ولنأخذ
موقفًا واضحًا.
لأننا بهذا وحده يمكننا إنقاذ فنّنا، المسرح – هذا المكان الهش والمفكر الذي نبحث فيه معًا عن الجمال والمجتمع.